دين الإسلام

تعرضه نصوص القرآن وسنة خير الأنام

– محمد رسول الله (خاتم الأنبياء والمرسلين)

وبعد رفع عيسى عليه السلام مضت فترة طويلة من الزمن قرابة خمسة قرون ازداد انحراف الناس عن الهدى، وانتشر فيهم الكفر والضلال وعبادة غير الله تعالى، فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة في أرض الحجاز بالهدى ودين الحق؛ ليعبد الله وحده لا شريك له، وزوده بالآيات والمعجزات الدالة على نبوته ورسالته وختم به المرسلين، وجعل دينه خاتم الأديان وحفظه من التبديل والتغيير حتى نهاية الحياة الدنيا وقيام الساعة فمن هو محمد؟ ومن هم قومه؟ وكيف أرسله؟ وما دلائل نبوته؟ وما هي تفاصيل سيرته؟ هذا ما سنحاول بيانه بإذن الله في هذه الصفحات الموجزة. 

أ- نسبه وشرفه

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، نسبه إلى اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، من قبيلة قريش وقريش من العرب ولد في مكة عام 571 لميلاد المسيح عليه السلام. توفي والده وهو جنين فنشأ يتيماً تحت كفالة جده عبد المطلب ثم لما توفي جده كفله عمه أبو طالب.

ب- صفاته

ذكرنا أن الرسول المختار من عند الله لا بد أن يكون في الذروة العليا من سمو النفس وصدق الحديث وحسن الأخلاق، وكذلك كان محمد صلى الله عليه وسلم فقد نشأ صادقاً أميناً حسن الخلق طيب الحديث فصيح اللسان محبوباً من القريب والبعيد معظماً في قومه ومحترماً بينهم لا يلقبونه إلا بالأمين، وكانوا يضعون عنده أماناتهم إذا سافروا. 

وبالإضافة إلى حسن خلقه فقد كان جميل الخلقة لا تمل العين من رؤيته أبيض الوجه واسع العينين طويل أهداب العينين أسود الشعر عريض المنكبين، ليس بالطويل ولا القصير ربعة بين الرجال وهو إلى الطول أقرب. يصفه أحد أصحابه فيقول: “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حُلة يمانية فما رأيت أحسن منه قط”. وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب في قوم أميون قلَّ من يحسن القراءة والكتابة فيهم. لكنهم كانوا أذكياء أقوياء الذاكرة سريعوا البديهة.

ج- قريش والعرب

كان قوم النبي صلى الله عليه وسلم وعشيرته يسكنون في مكة المكرمة بجانب البيت الحرام والكعبة المشرفة التي أمر الله إبراهيم -عليه السلام- وابنه إسماعيل ببنائها.

لكنهم مع تطاول الزمن انحرفوا عن دين إبراهيم (عبادةِ الله الخالصة) ووضعوا-هم والقبائل التي حولهم- أصناماً من الحجر والشجر والذهب حول الكعبة، وقدَّسوها واعتقدوا أن بيدها النفع والضر! وابتدعوا طقوساً من العبادات لها، ومن أشهرها صنم هُبل، الذي كان أكبر الأصنام وأعظمها شأناً. إضافة إلى أصنام أخرى وأشجار خارج مكة تعبد من دون الله، وتحاط بهالة من القداسة مثل اللاَّت والعزَّى ومناة، وكانت حياتهم مع البيئات التي حولهم مليئة بالبطر والفخر والخيلاء والاعتداء على الآخرين والحروب الطاحنة، وإن كانت فيهم بعض الأخلاق الحسنة مثل الشجاعة وإكرام الضيف وصدق الحديث وغيرها.

د- بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم من العمر أربعين سنه وكان في غار حراء خارج مكة نزل عليه أول وحي من السماء من عند الله فجاءه الملك جبريل، فغطه وقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، ثم غطه ثانية حتى بلغ منه الجهد مبلغاً، فقال له: اقرأ، فقال: ما أنا بقارئ، ثم غطه الثالثة حتى بلغ من الجهد مبلغاً أشد فقال له: اقرأ، فقال: ماذا أقرأ ،قال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].

ثم ذهب الملك وتركه، فرجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيته وزوجه خائفاً مذعوراً، فقال لزوجته خديجة: زمليني إني خشيت على نفسي فقالت له زوجه: كلا والله لا يخزيك الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتعين على نوائب الحق. 

ثم جاءه جبريل على صورته التي خلقه الله عليها، قد سد ما بين الأفق فقال يا محمد أنا جبريل وأنت رسول الله. 

ثم تتابع الوحي من السماء آمراً الرسول بدعوة قومه إلى عبادة الله وحده وإلى تحذيرهم من الشرك والكفر فبدأ يدعو قومه واحداً واحداً الأقرب فالأقرب؛ ليدخلوا في دين الإسلام فأول من آمن به زوجه خديجة بنت خويلد، وصديقه أبو بكر الصديق وابن عمه علي بن أبي طالب.

ثم لما علم قومه بدعوته بدأوا يواجهونه ويكيدونه ويعادونه. خرج على قومه صباحاً ذات يوم فناداهم بأعلى صوته “واصباحاه” وهي كلمة يقولها من أراد أن يجمع الناس فتتابع قومه يجتمعون ليسمعوا ما يقال لهم . فلما اجتمعوا قال لهم: “أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال عمه أبو لهب –وهو أحد أعمامه كان هو وزوجته من أشد الناس عداوة للرسول صلى الله عليه وسلم-: تباً لك ألهذا جمعتنا . فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ*سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ*وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)[المسد:1-5].

ثم استمر الرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الإسلام، ويقول لهم قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، فقالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب.

وتنزلت الآيات من عند الله تدعوهم إلى الهدى وتحذرهم من الضلال الذي هم فيه، والتي كان منها قول الله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ *فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ  *فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) [فصلت:9-13].

لكن هذه الآيات وتلك الدعوة لم تزدهم إلا عتواً واستكباراً عن قبول الحق؛ بل أخذوا يشتدون في تعذيب كل من دخل في دين الإسلام، وخاصة من المستضعفين الذين ليس لهم من يحميهم، فيضعون على صدر أحدهم الصخرة الكبيرة، ويجرونه في الأسواق في شدة الحر ويقولون له اكفر بدين محمد أو ارض بهذا العذاب حتى مات منهم من مات من شدة التعذيب. 

وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في حماية عمه أبو طالب الذي يحبه ويحنو عليه، وهو من كبار قبيلة قريش المهيبين، غير أنه لم يدخل في الإسلام. 

وحاولت قريش أن تساوم الرسول صلى الله عليه وسلم على دعوته فعرضوا عليه الأموال والملك والمغريات شرط أن يكف عن الدعوة إلى هذا الدين الجديد الذي يسيء إلى آلهتهم التي يقدسونها ويعبدونها من دون الله، فكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم صارماً قاطعاً؛ لأن هذا أمر أمره الله به ليبلغه للناس، ولو تخلى عن هذا الأمر لعذبه الله. وقال لهم إني أريد الخير لكم وأنتم قومي وعشيرتي “والله لو كذَّبتُ الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششتُ الناس كلهم ما غششتكم” .

ولما لم تُجدِّ المساومات في وقف الدعوة، ازدادت عداوة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه. وطلبت قريش من أبي طالب أن يسلمها محمد صلى الله عليه وسلم لتقتله، ويعطونه ما يشاء أو يكف عن الصدع بدينه بينهم، فطلب منه عمه أن يكف عن الدعوة إلى هذا الدين. 

فاستعبر الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: “يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه”  

فقال عمُّه: امض فقل ما شئت والله لا يصلون إليك بشيء حتى أقتل دونك ولما حضرت الوفاة أبا طالب وعنده بعض كُبراء قريش جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم يُلح عليه في الدخول في الإسلام ويقول له: يا عم قل كلمة أحاجُّ لك بها عند الله قل لا إله إلا الله فقال له الكبراء أترغب عن دين عبد المطلب (أترغب عن دين الآباء والأجداد) فاستعظم أن يترك دين آبائه ويدخل في دين الإسلام فمات مشركاً. فحزن النبي صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً على (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56].

ولحق الإيذاء بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة عمه أبي طالب، فكانوا يأخذون الأوساخ (من الحيوانات) ويضعونها على ظهره وهو يصلي عند الكعبة. 

ثم خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مدينة الطائف ليدعو

أهلها إلى الإسلام، (وهي مدينة تبعد عن مكة 70 كلم) فواجه أهل الطائف دعوته أشد مما فعل أهل مكة، وأغْروا سفهاءهم برجم النبي صلى الله عليه وسلم وطردوه من الطائف فاتبعوه يرمونه بالحجارة حتى أدموا عقبيه الشريفتين.

فتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه يدعوه ويستنصره، فأرسل الله إليه الملك فقال له إن ربك سمع مقالة قومك لك، فإن شئت أطبق عليهم الأخشبين -أي الجبلين الكبيرين- قال: لا ولكن أرجوا الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده وحده ولا يشرك به شيئاً.

ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة واستمرت العداوة والمواجهة من قومه لكل من آمن به، ثم جاء نفر من مدينة يثرب –التي أصبحت تسمى بعد ذلك باسم المدينة المنورة- إلى الرسول صلى الله

عليه وسلم فدعاهم إلى الإسلام فاسلموا، فأرسل معهم أحد أصحابه يقال له مصعب بن عمير يعلمهم تعاليم الإسلام، فأسلم على يديه كثير من أهل المدينة.

وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من العام القادم يبايعونه على الإسلام، ثم أمر أصحابه المضطهدين بالهجرة إلى المدينة المنورة فهاجروا جماعات وأفراداً -وأُطلق عليهم لقب المهاجرين- وتلقاهم أهل المدينة بالتكريم والترحاب والقبول وأضافوهم في بيوتهم وتقاسموا معهم أموالهم ومنازلهم – وسُموا بعد ذلك بالأنصار-.

ثم لمّا علمت قريش بهذه الهجرة قررت قتل النبي صلى الله عليه وسلم فقرروا أن يحاصروا منزله الذي يبيت فيه فإذا خرج ضربوه بالسيف ضربة رجل واحد، فأنقذه الله منهم وخرج من بينهم وهم لا يشعرون، ولحق به أبو بكر الصديق وأمر علياً بالبقاء في مكة ليرد الأمانات المودعة عند الرسول إلى أصحابها.

وفي طريق الهجرة جعلت قريش جائزة ثمينة لمن يقبض على محمد صلى الله عليه وسلم حياً أو ميتاً لكن الله أنجاه منهم فوصل إلى المدينة مع صاحبه سالماً

فاستقبله أهل المدينة بالبشر والترحاب والفرح الشديد، وخرجوا جميعاً من دورهم لاستقبال رسول الله يقولون جاء رسول الله جاء رسول الله

استقر المقام بالرسول صلى الله عليه وسلم، فبدأ في المدينة أولاً ببناء المسجد لتقام فيه الصلوات، فجعل يعلم الناس شرائع الإسلام ويقرئهم القرآن ويربيهم على مكارم الأخلاق فالتف حوله أصحابه يتعلمون منه الهدى وتزكوا به نفوسهم وترتفع به أخلاقهم وتعمقت محبتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتَأَثَّروا بصفاته العالية وقويت رابطة الأخوة الإيمانية بينهم، وأصبحت المدينة بحق المدينة المثالية التي تعيش في جو من السعادة والإخاء لا فرق عند سكانها بين غني ولا فقير ولا أبيض ولا أسود ولا عربي ولا عجمي ولا يفضل بعضهم بعضاً إلا بالإيمان والتقوى، وتكوَّن من هؤلاء الصفوة أفضل جيل عرفه التاريخ

وبعد سنة من هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأت المواجهات والمعارك بين الرسول وأصحابه ضد قبيلة قريش، ومن سار معها في عداء دين الإسلام

فوقعت أول معركة بينهم، وهي معركة بدر الكبرى في واد بين مكة والمدينة، فأيد الله المسلمين وكان عددهم 314 مقاتلاً على قريش وكان عددهم 1000 مقاتل وانتصروا انتصاراً مظفراً قتل فيه من قريش سبعون معظمهم من الكبراء والقادة وأسر سبعون وفر الباقون 

ثم جاءت معارك أخرى بين الرسول صلى الله عليه وسلم وقريش استطاع الرسول صلى الله عليه وسلم في آخرها (بعد خروجه من مكة بثمان سنين) أن يُسِّير جيشاً قوامه 10,000 مقاتل ممن دخلوا في دين الإسلام إلى مكة المكرمة ليغزوا قريشاً في عقر دارها ويدخلها عنوة وينتصر عليهم انتصاراً ساحقاً، ويهزم قبيلته التي أرادت قتله وعذبت أصحابه وصدت عن الدين الذي جاء به من عند الله

فجمعهم بعد ذلك الانتصار الشهير وقال لهم: “يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء فعفا عنهم وترك لهم حرية اعتناق دين الإسلام”. 

فكان هذا سبباً في دخول الناس في دين الإسلام أفواجاً فأسلمت الجزيرة العربية كلها ودخلت في دين الإسلام.

ولم تمض فترة قصيرة من الزمن حتى حج الرسول صلى الله عليه وسلم فحج معه 114,000 ممن دخلوا حديثاً في دين الإسلام.

فوقف يخطب فيهم يوم الحج الأكبر يبين لهم أحكام الدين وشرائع الإسلام ثم قال لهم: لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ألا فليبلغ الشاهد الغائب، ثم نظر إليهم فقال: ألا هل بلغت فقال الناس: نعم فقال: اللهم فاشهد. ألا هل بلغت فقال الناس: نعم، فقال: اللهم فاشهد

ثم رجع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الحج إلى المدينة، وخطب الناس يوماً فقال لهم إن عبداً خيره الله بين الخلود في الدنيا أو ما عند الله فاختار ما عند الله، فبكى الصحابة وعلموا أنه يقصد نفسه وأنه قرب انتقاله من هذه الحياة الدنيا، وفي يوم الاثنين الثاني عشر من الشهر الرابع الهجري في السنة الحادية عشر من الهجرة اشتد المرض على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأته سكرات الموت فنظر إلى أصحابه نظرة الوداع وأوصاهم بالمحافظة على الصلاة وأسلم روحه الشريفة وانتقل إلى الرفيق الأعلى. 

صُدم الصحابة –رضوان الله عليهم- بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ بهم الحزن والأسى مبلغه، وأثرت فيهم الفجيعة أثرها حتى أن أحدهم، وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه قام شاهراً سيفه من هول المفاجأة يقول لا أسمع أحداً يقول مات رسول الله إلا ضربت عنقه.

فقام أبو بكر الصديق يذكره بقول الله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:144] . فما سمع عمر هذه الآية حتى سقط مغشياً عليه.

هذا هو محمد رسول الله، وخاتم الأنبياء والمرسلين بعثه الله إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة.

أيده الله بالقرآن الكريم كلام الله المنزل من السماء الذي (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)[فصلت:42]، والذي لو اجتمع البشر من أول الدنيا إلى آخرها على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.

قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ *الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:21-25]، 

فهذا القرآن مكون من مائة وأربعة عشر سورة فيها أكثر من ستة آلاف آية، والله يتحدى البشر على مر العصور أن يأتوا بسورة واحدة من مثل سور القرآن، وأقصر سورة في القرآن مكونة من ثلاث آيات فقط.

فإن استطاعوا ذلك فليعلموا أن هذا القرآن ليس من عند الله. وهذه من أعظم المعجزات التي أيدها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، كما أيده الله بمعجزات أخرى خارقة للعادة فمنها: 

هـتأييد النبي صلى الله عليه وسلم بالمعجزات

أنه كان يدعو الله ويضع يده في الإناء فينبع الماء من بين أصابعه ويشرب الجيش من هذا الماء وعددهم يزيد على الألف.

وكان يدعو الله ويضع يده في الطعام فيكثر الطعام في الصحفة حتى يأكل منه 1500 من الصحابة. 

وكان يرفع يديه إلى السماء يدعو الله بإنزال المطر، فلا يفارق مكانه حتى يتساقط الماء من وجهه الشريف من أثر المطر ومعجزات أخرى كثيرة

وأيده الله بحفظه فلا يصل إليه أحد ممن يريد قتله وإخماد النور الذي جاء به من عند الله، كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس) آلاية[المائدة:67].

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم – مع تأييد الله له- قدوة حسنة في كل أعماله وأقواله، وكان أول منفذ للأوامر التي تتنزل عليه من الله، وكان أحرص الناس على فعل العبادات والطاعات، وأكرم الناس، لا يبقي في يده شيء من المال إلا أنفقه في سبيل الله على المساكين والفقراء والمحتاجين، بل حتى الإرث قال لأصحابه: “إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة”)

أما أخلاقه فلا يصل إليها أحد، ما صحبه أحد إلا أحبه من سويداء قلبه، فيصبح الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين.

يقول أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما مسست كفاً أطيب ولا ألين ولا أطيب رائحة من كف رسول الله ولقد خدمته عشر سنين فما قال لي لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لمْ تصنعه ” )

ذلك محمد رسول الله الذي أعلى الله قدره ورفع ذكره في العالمين فلا يُذكر إنسان في الوجود اليوم وقبل اليوم كما يذكر، فمنذ ألف وأربعمائة سنة وملايين المآذن في أنحاء الأرض تصدح كل يوم خمس مرات بقولها “أشهد أن محمداً رسول الله” مئات الملايين من المصلين يرددون في صلواتهم يومياً عشرات المرات ” أشهد أن محمداً رسول الله”

و- الصحابة الكرام

حمل الصحابة الكرام دعوة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وانطلقوا بها في مشارق الأرض ومغاربها، وكانوا بحق خير دعاة لهذا الدين فقد كانوا أصدق الناس لهجة وأعظمهم عدلاً وأكثرهم أمانة وأحرصهم على هداية الناس ونشر الخير بينهم.

تخلقوا بأخلاق الأنبياء وتأسوا بصفاتهم، فكان لهذه الأخلاق أثرها الظاهر في قبول شعوب الأرض لهذا الدين فدخلت تباعاً في دين الله أفواجاً من غرب أفريقيا إلى شرق آسيا إلى وسط أوربا رغبة منها في هذا الدين دون قسر أو إكراه. 

إنهم صحابة رسول الله أفضل الناس بعد الأنبياء، أشهرهم الخلفاء الراشدون الأربعة الذين حكموا دولة الإسلام بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم: 

أبو بكر الصديق. 

عمر بن الخطاب. 

عثمان بن عفـان.

علي بن أبي طالب 

يشعر المسلمون نحوهم بكل عرفان وتقدير، ويتقربون إلى الله تعالى بمحبة رسوله ومحبة أصحاب رسوله من الذكور والإناث ويجلونهم ويعظمونهم وينزلونهم في منزلتهم اللائقة بهم. 

ولا يبغضهم ولا ينتقص من قدرهم إلا من كان كافراً بدين الإسلام وإن إدعى أنه مسلم. أثنى الله عليهم بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ.) {آل عمران 110}

وأثبت رضاه عنهم عندما بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه: (لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا.) {الفتح 18}

About The Author